تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

السؤال
يقول الناس – ولله الحمد – في مجتمعنا عقيدتهم سليمة وعلى الفطرة ، ولكن أكثر الناس يحتاجون إلى تعليم الفقه ، فهل يبدءون في تعليمهم بالتوحيد ، أو بالتفقه في الدين ؟
الاجابة

يبدءون بتعلم علم التوحيد والعقيدة أَوَّلاً ؛ لأن بالتوحيد يراد صلاح القلب ، وتعلمه يحدث الخوف من الشرك ، وبقاؤه في الناس بقاء لدين الله بينهم ، ولا يقدم على الفقه ابتداء ، ونحن نرى أن كثيرًا من الشركيات بدأت تنتشر بين الناس في مجتمعنا ، فلا يقال : إننا لا نحتاج إلى التوحيد . ألا ترون كثرة السَّحَرة والكَهَنة ؟ ألا ترون أن التمائم كثر تعليقها وأن التطير أصبح فاشيًا ؟ تجد في السيارات صورا لحيوانات ، أو حِدْوةَ فرس ، أو جلدةً بها عين ، وتجد في بعض البيوت معلق على بابها رأس حيوان محنط ، أو حدوة فرس ، أو رسمة عين ونحو ذلك ، وهذه كلها من التمائم التي هي من الشرك الأصغر ، ألا ترون موالاة أعداء الله ومودتهم وتكريمهم ونحو ذلك ؟ هذه كلها أمور مخالفة للعقيدة والتوحيد ، فلا بد من تعليم التوحيد ، ولا بد أن نخاف من الشرك ، فمن خاف سلم ، ونبي الله ورسوله إبراهيم – عليه السلام – دعا ربه بقوله : ﴿ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ ﴾ [ إبراهيم : 35 ] .

 قال إبراهيم التيمي – وهو من علماء السلف الصالحين وأحد الأئمة – قال لَمَّا تلا هذه الآية : ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم ؟

 فإبقاء التوحيد وتدريسه وتعليمه هذا فيه التخويف من الشرك ، والشرك أسرع ما يكون في الناس ، وتذكروا قول النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه : « لا يذهب الليل والنهار حتى تُعبد اللات والعُزى ، ثم يبعث الله ريحا طيبة فيتوفى كل من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان ، فيبقى من لا خير فيه ، فيرجعون إلى دين آبائهم » .([1])

 وفي حديث آخر يقول صلى الله عليه وسلم : « لاَ يَخْرُجُ الدَّجَّالُ حَتَّى يَذْهَلَ النَّاسُ عَنْ ذِكْرِهِ وَحَتَّى تَتْرُكَ الأَئِمَّةُ ذِكْرَهُ عَلَى الْمَنَابِرِ » .([2])

وهذه مسألة من مسائل العقيدة ، وهي أن ذكر الدجال والاعتقاد فيه يغفل الناس عنه ، فيخرج في غفلة من ذكر الناس له ومن تحذيرهم منه ، كذلك الشيطان لا يأتي إلى الناس إلا إذا غفلوا عن شرع الله وذكره ، فالتوحيد والفقه قرينان وابن القيم رحمه الله تعالى قال في العلم :

والعِلْمُ أقْسَامٌ ثلاثٌ مَا لَهَا

 

مِن رَابِعٍ والحَقُّ ذو تِبْيانِ

عِلْمٌ بأَوْصافِ الإلهِ ونَعْتِه

 

وكذلكَ الأسماءُ للدَّيَّانِ

والأمرُ والنَّهْيُ الذي هو دِينُه

 

وجَزَاؤُه يومَ الْمَعادِ الثَّانِي

والكُلُّ فِي القُرْآنِ والسُّنَنِ الَّتِي

 

جَاءَتْ عن المَبْعوثِ بِالفُرْقَانِ

واللَّهِ مَا قالَ امْرِؤٌ مُتَحَذْلِقٌ

 

بسِواهِمَا إلاَّ مِن الهَذَيانِ

إلى آخر كلامه .

 فالعلم بالتوحيد هو العلم بحق الله على عباده والعلم بالشرائع وبالأمر والنهي والعلم بالجزاء ، فالتوحيد والفقه قرينان ، فيعلم أن في التوحيد إصلاح الباطن وأن في الفقه إصلاح الظاهر ، وكل منهما مهم والتوحيد أهم .

أسأل الله – جل وعلا – لي ولكم التسديد في القول والعمل ، وأسأله أن يعفو عنا برحمته ، وأن يصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأن يصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، اللهم إنا نسألك أن تصلح ولاة أمر المسلمين ، اللهم أصلح ولاة أمورنا واهدهم إلى الرشاد ، وباعد بينهم وبين سبل أهل البغي والفساد ، اللهم إنا نسألك صلاحًا في قلوبنا ، وصلاحًا في أعمالنا ، اللهم نور بصائرنا في أقوالنا وفي أعمالنا وفي اعتقاداتنا ، نسألك أن تميتنا على الإسلام ، وأن تحيينا على الإسلام . وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد .

_______________________________

( [1] ) أخرجه مسلم ( 4 / 2230 ، رقم 2907 ) .

( [2] )أخرجه ابن قانع ( 2 / 8 ) . وأخرجه أيضا : عبد الله بن أحمد فى زوائده على المسند ( 4 / 71 ، رقم 16718 ) . وقال الهيثمى ( 7 / 335 ) : رواه عبد الله بن أحمد من رواية بقية عن صفوان بن عمرو وهى صحيحة كما قال ابن معين وبقية رجاله ثقات .

تغريدات الموقع