تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

السؤال
فضيلة الشيخ كيف نوفق بين قولنا الأخذ بالأسباب واجب وبين قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «سبعون ألف يدخلون الجنة من أمتي بغير حساب» وذكر من صفاتهم أنهم «لا يكتوون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون».
الاجابة

في هذا الحديث ذِكر الاكتواء ، وأنهم لا يكتوون ، والاكتواء أو الكي نوع من الطب ، وسبب الشفاء به غير ظاهر ؛ لذلك جَعْله سببًا وتعلق القلوب به ، هذا تعلُّق بالسبب الذي ليس بظاهر في تحصيل المراد ؛ ولهذا يقول النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – : « الشِّفَاءُ فِي ثَلاَثَةٍ : شَرْبَةِ عَسَلٍ ، وَشَرْطَةِ مِحْجَمٍ ، وَكَيَّةِ نَارٍ ، وَأَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الكَيِّ » .

       فالكي كما هو معلوم ليس بسبب ظاهر للمداواة ، ليس بسبب ظاهر للشفاء ؛ لذلك من تعلَّق قلبه به ظن أن هذا الكي ينفع ، وأنه سبب يحصل به المراد وهذا يحدث كثيرًا عند من يجربون الكي فإنه يقول الكي مباشرة هذا يحدث معه المقصود ، يحدث معه الشفاء ، وهذا مما يجب أو مما يستحب أن تنقطع القلوب عنه .

       ولهذا هؤلاء الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب انقطعت قلوبهم عن التعلق بما لم يكن سببًا ظاهرًا لهم ، لهذا ذكر أنهم انقطعت قلوبهم عن التعلق بغير الله ، فالكي ليس بسبب ظاهر ، كذلك طلب الرقية ليس بمحمود ؛ لأن فيه انصرافًا عن الله – جل وعلا – ، تُرقِي نفسك هذا هو الأكمل ، لكن إن اخترت أن تطلب الرقية أو تذهب لأحد فلا حرج لكن ليست هذه هي المرتبة المثلى .

       ففعل الأسباب ، الأسباب الظاهرة التي يحصل بها المقصود من الأدوية أمر بها النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – في قوله : « إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ ، وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً فَتَدَاوَوْا وَلَا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ » والنبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – داوى وتداوى .

       فوجب إذًا التوفيق بين هذا الحديث وبين الأحاديث التي فيها الأمر بالتداوي والحث على التداوي والجمع بينهما على النحو الذي ذكرته لك ، كما نبه على ذلك بعض أهل العلم ، على أنه من السلف من أمضى ذلك في جميع الأدوية ، واختار ألا يتداوى أبدًا واختاروا أن يتوكلوا على الله – جل وعلا – ؛ لأنهم يتوكلون على الله – جل وعلا – في شفاء المرض دون اتخاذ بالأسباب ؛ لأن الله – جل وعلا – قال مخبرًا عن إبراهيم عليه السلام ﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾ [ الشعراء : 80 ] فأخذوا بهذا أخذًا عامًا وقالوا : إن كل مرض يصيب الإنسان فالله – جل وعلا – هو الشافي منه ، وتركوا الأسباب في الأمراض تعلقًا بالله – جل وعلا – وحده .

       لكن هذا ليس هو الصحيح من الأقوال في هذه المسألة بل الصحيح أن تأتي السبب مع التوكل على الله – جل وعلا – ، إذا كان السبب نافعًا ظاهرًا ؛ لذلك الكيَّات كثير منها لا ينفع ، لكن منها ما ينفع لأشياء مخصوصة . أما الأدوية التي يستعملها الناس فهي في الغالب عند من يعرفها سبب ينتج عنه المسبب الذي هو الشفاء بإذن الله – جل وعلا – .

فالواجب على أهل الإيمان أن يتعاطوا الأسباب ، ويتوكلوا على الله – جل وعلا – ، ويعلموا أن هذا السبب لا يحدث معه المقصود ، فليس معنى أن تداوى وتشرب الدواء أو تأخذ الدواء أنك ستشفى ، لا يقتضي ذلك ، لكن هذا سبب يحتاج الانتفاع به إلى أسباب أخرى منها أن يكون جسمك قابلاً لهذا ، وهذا بيد الله – جل وعلا – ، ومنها ألا يكون في جسمك شيء يحرق هذا الدواء فلا ينتفع به . فأناس جلسوا يشربون أدوية مدة طويلة ولم ينتفعوا بها ؛ لأن أجسامهم غير قابلة لهذا ؛ ولأن هناك مدافعات لهذا الدواء .

فالذي يجعل هذا الدواء نافعًا هو الله – جل وعلا – ، فإذا أنت في تداويك تعلقت بالله – جل وعلا – ، وهذا سبب من الأسباب مثلما أوضحت لك في مثال السفر بالسيارة تفعل السبب والباقي على الله – جل وعلا – ، فعندها لا يتعلق قلب الموحد بالسبب وإنما يفعل السبب لأنه مأمور به رجاء من الله – جل وعلا – واستعانة بالله أن يحدث مع هذا السبب أسباب أخرى من عنده – جل وعلا – بها يتم الشفاء وينتفع المريض هذا هو التوفيق بين هذه الأحاديث في هذا المقام وتبيين المختلفات في هذا .

تغريدات الموقع